وقاية المجتمع من الجرائم الأخلاقية مسؤولية مشتركة


لابد أن تقوم وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بدور في تقوية إيمان أفراد المجتمع وتحذيرهم من الجرائم الأخلاقية وتوعيتهم بحرمتها، والعقوبات المترتبة عليها في الدنيا والآخرة 

      نشرت "الوطن" في عددها (2708) الصادر يوم الخميس الموافق 21/2/1429هـ، تقريراً بعنوان: " التحرش بالنساء يرتفع خلال عام واحد بنسبة (215%)"، وذلك وفق إحصاءات رسمية حديثة صادرة عن وزارة الداخلية. ومما جاء في التقرير: ارتفع عدد قضايا التحرش بالنساء من (1031) قضية عام 1426 إلى (3253) قضية عام 1427، وارتفعت قضايا الاعتداء على العرض بنسبة (25%)، وارتفعت حالات الاغتصاب بنسبة (75%)، وارتفعت قضايا اختطاف النساء بنسبة (10%). وتعقيباً على هذه الإحصائيات الرسمية أقول:
     إن المتأمل لواقع مجتمعنا يلحظ زيادة كبيرة في عدد الجرائم الأخلاقية وتنوعها، وانطلاقاً من ضرورة مساهمة الأفراد والصحف المحلية في وقاية المجتمع من خطر الجرائم الأخلاقية أقدم المقترحات التالية:
     يجب أن تحدد الجهات الحكومية المسؤولة عن إصدار الأحكام حيال الجرائم الأخلاقية العقوبات الرادعة لمن يرتكب مثل هذه الجرائم، وأن تعيد النظر في ضرورة التشهير بمرتكب الجريمة وذلك ليكون هناك زاجر لكل من يضعف إيمانه أو تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه الجرائم.
تقع على الجهات الأمنية مسؤولية كبيرة في متابعة وملاحقة مرتكبي هذه الجرائم والقبض عليهم والتعامل معهم بحزمٍ وقوة. وقد رفعنا رؤوسنا بين العالم بجهود رجال الأمن في مكافحة الإرهاب والإرهابيين في بلادنا، وأملنا أن نرفعها كذلك بدورهم الفاعل في وقاية مجتمعنا من الجرائم الأخلاقية ومكافحتها، إذ إن الاعتداء على الآمنين وترويعهم وهتك حرماتهم وأعراضهم وإهدار دمائهم هو جامع الإرهاب، وإن لم يكافح رجال الأمن تلك الجرائم ويحموا المجتمع من شرورها فمن لنا بعد الله غيرهم في ذلك، ونشر هذه الإحصاءات يدل على شفافيات القطاعات الأمنية ويلقى على عاتق رجالها مسؤولية كبيرة.
     لابد أن تقوم وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بدور في تقوية إيمان أفراد المجتمع وتحذيرهم من الجرائم الأخلاقية وتوعيتهم بحرمتها، والعقوبات المترتبة عليها في الدنيا والآخرة، وذلك بأن يتناول خطباء الجوامع وأئمة المساجد والدعاة والمحاضرون هذه الجرائم ويرشدوا أفراد المجتمع إلى عدم الوقوع فيها وإلى كيفية تفادي حدوثها، وأن يكون لمكاتبها الدعوية حضورٌ مؤثر وفاعل في المناسبات وأماكن تجمع الشباب، واستثمارها في التوعية والتوجيه والإرشاد، كما أن عليها استثمار المنابر الإعلامية (المقروءة والمسموعة والمرئية) في تحقيق رسالتها الدعوية.
     لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهود ملموسة في كشف كثيرٍ من الجرائم الأخلاقية أو منعها قبل حدوثها وحماية الأعراض من أن تدنسها ذئاب بشرية، وأثناء هذا نصح وتوجيه. ولتفعيل دور الهيئات في وقاية المجتمع من الجرائم الأخلاقية لابد من زيادة أعداد رجال الهيئات وتأهيلهم علمياً وعملياً، وإعطائهم البدلات الوظيفية عن خارج أوقات دوامهم، وتوفير التجهيزات المادية اللازمة للقيام بدورها الإيجابي في المجتمع، وأن يبرز الإعلام جهودها في حماية المجتمع من هذه الجرائم.
     يناط بوزارة التربية والتعليم ومدارسها دورٌ كبير في وقاية المجتمع من الجرائم الأخلاقية ومعالجتها، إذ إن جميع أفراد المجتمع لابد أن يلتحقوا بمدارس التعليم العام -والنادر لا حكم له-، فينبغي أن يفعّل محتوى المناهج الدراسية الموجه لمعالجة تلك الجرائم تفعيلاً إيجابياً عن طريق المعلمين والأنشطة المدرسية الصفية واللاصفية، كما أن على مديري المدارس والوكلاء والمرشدين الطلابيين دورا كبيرا في متابعة الطلاب وملاحظتهم والتنبيه على بعض السلوكيات التي قد تكون الشرارة الأولى لوقوع مثل تلك الجرائم.
     يلقى على وسائل الإعلام بشتى صورها مسؤولية كبيرة في وقاية المجتمع من هذه الجرائم، إذ إن بعض الشباب يتعلم من وسائل الإعلام كيفية ارتكاب هذه الجرائم، وبعضهم تكون وسائل الإعلام داعية له بالإثارة إلى ارتكاب الجريمة، ولأن وسائل الإعلام هي من أكثر الوسائل تأثيراً على الأفراد فإن على وسائلنا الإعلامية أن تقدم طرحاً يتناسب وقيم مجتمعنا بما في ذلك البرامج الوقائية والعلاجية لهذه الجرائم.
     أن تكثف وزارة الشؤون الاجتماعية والرئاسة العامة لرعاية الشباب والجهات ذات العلاقة من برامجها الاجتماعية والثقافية الموجهة لاستثمار أوقات الشباب ومعالجة مشكلاتهم تحت إشراف مسؤولين مؤهلين، وأن تهيئ الأماكن المناسبة للشباب لقضاء أوقات فراغهم، كمراكز الأحياء والأندية الرياضية والصالات الترفيهية والنوادي الاجتماعية وغيرها.
     يتحمل الآباء مسؤولية جسيمة في تربية أبنائهم بتقوية الوازع الديني وتحذيرهم من الوقوع في مثل هذه الجرائم، ومتابعتهم والمحافظة عليهم، ومصارحتهم أحياناً عند التوجيه فقد لا يكفي التلميح لإيصال الرسالة، وتوفير الوسائل المشروعة لترفيه أبنائهم، والبعد عن توفير الوسائل التي تدعو إلى ارتكاب الجريمة الأخلاقية.
     لابد أن يقوم كل فرد من أفراد مجتمعنا بدوره في الوقاية من الجرائم الأخلاقية، فابتعاده عنها أصلاً واجب شرعي ففي الحديث: (وما نهيتكم عنه فاجتنبوه)، وتوعيته بأضرارها ومخاطرها خير له ولمجتمعه قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ}، وتحذيره منها مطلب إنساني وإسلامي ووطني فالساكت عن وقاية مجتمعه من تلك الجرائم شيطان أخرس، ومن اعتدى على غيرك اليوم يعتدي عليك أو على أحد أفراد عائلتك غداً.
     أخيراً، إن وقاية المجتمع من الجرائم الأخلاقية مسؤولية مشتركة بين الجهات الحكومية والأفراد، ولا يمكن أن تتحملها جهة أو أفراد محددون، وإنما لابد أن يستشعر الجميع خطر المشكلة ثم تتكاتف الجهود ويتعاون الجميع في الوقاية والعلاج قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}.
 
 
بقلم : حمد عبد الله القميزي


0 التعليقات:

إرسال تعليق