لابد أن تقوم وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بدور في تقوية إيمان أفراد المجتمع وتحذيرهم من الجرائم الأخلاقية وتوعيتهم بحرمتها، والعقوبات المترتبة عليها في الدنيا والآخرة 

      نشرت "الوطن" في عددها (2708) الصادر يوم الخميس الموافق 21/2/1429هـ، تقريراً بعنوان: " التحرش بالنساء يرتفع خلال عام واحد بنسبة (215%)"، وذلك وفق إحصاءات رسمية حديثة صادرة عن وزارة الداخلية. ومما جاء في التقرير: ارتفع عدد قضايا التحرش بالنساء من (1031) قضية عام 1426 إلى (3253) قضية عام 1427، وارتفعت قضايا الاعتداء على العرض بنسبة (25%)، وارتفعت حالات الاغتصاب بنسبة (75%)، وارتفعت قضايا اختطاف النساء بنسبة (10%). وتعقيباً على هذه الإحصائيات الرسمية أقول:
     إن المتأمل لواقع مجتمعنا يلحظ زيادة كبيرة في عدد الجرائم الأخلاقية وتنوعها، وانطلاقاً من ضرورة مساهمة الأفراد والصحف المحلية في وقاية المجتمع من خطر الجرائم الأخلاقية أقدم المقترحات التالية:
     يجب أن تحدد الجهات الحكومية المسؤولة عن إصدار الأحكام حيال الجرائم الأخلاقية العقوبات الرادعة لمن يرتكب مثل هذه الجرائم، وأن تعيد النظر في ضرورة التشهير بمرتكب الجريمة وذلك ليكون هناك زاجر لكل من يضعف إيمانه أو تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه الجرائم.
تقع على الجهات الأمنية مسؤولية كبيرة في متابعة وملاحقة مرتكبي هذه الجرائم والقبض عليهم والتعامل معهم بحزمٍ وقوة. وقد رفعنا رؤوسنا بين العالم بجهود رجال الأمن في مكافحة الإرهاب والإرهابيين في بلادنا، وأملنا أن نرفعها كذلك بدورهم الفاعل في وقاية مجتمعنا من الجرائم الأخلاقية ومكافحتها، إذ إن الاعتداء على الآمنين وترويعهم وهتك حرماتهم وأعراضهم وإهدار دمائهم هو جامع الإرهاب، وإن لم يكافح رجال الأمن تلك الجرائم ويحموا المجتمع من شرورها فمن لنا بعد الله غيرهم في ذلك، ونشر هذه الإحصاءات يدل على شفافيات القطاعات الأمنية ويلقى على عاتق رجالها مسؤولية كبيرة.
     لابد أن تقوم وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بدور في تقوية إيمان أفراد المجتمع وتحذيرهم من الجرائم الأخلاقية وتوعيتهم بحرمتها، والعقوبات المترتبة عليها في الدنيا والآخرة، وذلك بأن يتناول خطباء الجوامع وأئمة المساجد والدعاة والمحاضرون هذه الجرائم ويرشدوا أفراد المجتمع إلى عدم الوقوع فيها وإلى كيفية تفادي حدوثها، وأن يكون لمكاتبها الدعوية حضورٌ مؤثر وفاعل في المناسبات وأماكن تجمع الشباب، واستثمارها في التوعية والتوجيه والإرشاد، كما أن عليها استثمار المنابر الإعلامية (المقروءة والمسموعة والمرئية) في تحقيق رسالتها الدعوية.
     لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهود ملموسة في كشف كثيرٍ من الجرائم الأخلاقية أو منعها قبل حدوثها وحماية الأعراض من أن تدنسها ذئاب بشرية، وأثناء هذا نصح وتوجيه. ولتفعيل دور الهيئات في وقاية المجتمع من الجرائم الأخلاقية لابد من زيادة أعداد رجال الهيئات وتأهيلهم علمياً وعملياً، وإعطائهم البدلات الوظيفية عن خارج أوقات دوامهم، وتوفير التجهيزات المادية اللازمة للقيام بدورها الإيجابي في المجتمع، وأن يبرز الإعلام جهودها في حماية المجتمع من هذه الجرائم.
     يناط بوزارة التربية والتعليم ومدارسها دورٌ كبير في وقاية المجتمع من الجرائم الأخلاقية ومعالجتها، إذ إن جميع أفراد المجتمع لابد أن يلتحقوا بمدارس التعليم العام -والنادر لا حكم له-، فينبغي أن يفعّل محتوى المناهج الدراسية الموجه لمعالجة تلك الجرائم تفعيلاً إيجابياً عن طريق المعلمين والأنشطة المدرسية الصفية واللاصفية، كما أن على مديري المدارس والوكلاء والمرشدين الطلابيين دورا كبيرا في متابعة الطلاب وملاحظتهم والتنبيه على بعض السلوكيات التي قد تكون الشرارة الأولى لوقوع مثل تلك الجرائم.
     يلقى على وسائل الإعلام بشتى صورها مسؤولية كبيرة في وقاية المجتمع من هذه الجرائم، إذ إن بعض الشباب يتعلم من وسائل الإعلام كيفية ارتكاب هذه الجرائم، وبعضهم تكون وسائل الإعلام داعية له بالإثارة إلى ارتكاب الجريمة، ولأن وسائل الإعلام هي من أكثر الوسائل تأثيراً على الأفراد فإن على وسائلنا الإعلامية أن تقدم طرحاً يتناسب وقيم مجتمعنا بما في ذلك البرامج الوقائية والعلاجية لهذه الجرائم.
     أن تكثف وزارة الشؤون الاجتماعية والرئاسة العامة لرعاية الشباب والجهات ذات العلاقة من برامجها الاجتماعية والثقافية الموجهة لاستثمار أوقات الشباب ومعالجة مشكلاتهم تحت إشراف مسؤولين مؤهلين، وأن تهيئ الأماكن المناسبة للشباب لقضاء أوقات فراغهم، كمراكز الأحياء والأندية الرياضية والصالات الترفيهية والنوادي الاجتماعية وغيرها.
     يتحمل الآباء مسؤولية جسيمة في تربية أبنائهم بتقوية الوازع الديني وتحذيرهم من الوقوع في مثل هذه الجرائم، ومتابعتهم والمحافظة عليهم، ومصارحتهم أحياناً عند التوجيه فقد لا يكفي التلميح لإيصال الرسالة، وتوفير الوسائل المشروعة لترفيه أبنائهم، والبعد عن توفير الوسائل التي تدعو إلى ارتكاب الجريمة الأخلاقية.
     لابد أن يقوم كل فرد من أفراد مجتمعنا بدوره في الوقاية من الجرائم الأخلاقية، فابتعاده عنها أصلاً واجب شرعي ففي الحديث: (وما نهيتكم عنه فاجتنبوه)، وتوعيته بأضرارها ومخاطرها خير له ولمجتمعه قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ}، وتحذيره منها مطلب إنساني وإسلامي ووطني فالساكت عن وقاية مجتمعه من تلك الجرائم شيطان أخرس، ومن اعتدى على غيرك اليوم يعتدي عليك أو على أحد أفراد عائلتك غداً.
     أخيراً، إن وقاية المجتمع من الجرائم الأخلاقية مسؤولية مشتركة بين الجهات الحكومية والأفراد، ولا يمكن أن تتحملها جهة أو أفراد محددون، وإنما لابد أن يستشعر الجميع خطر المشكلة ثم تتكاتف الجهود ويتعاون الجميع في الوقاية والعلاج قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}.
 
 
بقلم : حمد عبد الله القميزي


آداب التعامل بين الزوجين



إن أداء الحق الزوجي لوحده غير كافٍ للوصول إلى أرقى مستويات العلاقة الوطيدة بين الطرفين طالما لم يتحلّ كل منهما بالآداب الإسلامية البيتية، والعلة في ذلك أن القيام بالآداب يلعب دوراً هاماً في تنمية عوامل المودة والاستمرار ويثمر في شتّى مجالات الحياة الزوجية ليبلغ بها أجمل صورة ممكن أن تكون عليها، وقد أعدّ اللَّه تعالى على تلك الآداب ثواباً جزيلاً وحثّ على الالتزام بها ونتعرف أولاً على آداب الزوجة مع زوجها.



آداب تعامل الزوجة مع الزوج


يجمل من الزوجة أن تتحلى بالأمور التالية:


أولاً: خدمة زوجها
جاء عن النبي صلى الله عليه وآله:
"ايما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً إلا نظر اللَّه إليها ومن نظر اللَّه إليه. لم يعذّبه".

وعن الباقر عليه السلام:
"ايما امرأة خدمت زوجها سبعة أيام أغلق اللَّه عنها سبعة أبواب النار وفتح لها ثمانية أبواب الجنة تدخل من أيّها شاءت".

وعن الكاظم عليه السلام:
"جهاد المرأة حسن التبعّل".

وفي الحديث:
"ما من امرأة تسقي زوجها شربة من ماء إلا كان خيراً لها من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها"4.


ثانياً: الصبر على أذيته‏
عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله:
"من صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها مثل ثواب آسيا بنت مزاحم"5.

وعن الباقر عليه السلام:
"إن اللَّه عزّ وجلّ كتب على الرجال الجهاد وعلى النساء الجهاد، فجهاد الرجل أن يبذل ماله ودمه حتى يقتل في سبيل اللَّه وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته"6.



ثالثاً: اظهار المودة له في أقوالها وأفعالها

ويترك هذا الأمر أثراً كبيراً في دوام السعادة والراحة في بيت الزوجية حيث ينعكس بشكل إيجابي على حياة الزوج في داخل الأسرة وخارجها ويصل إلى مكان عمله فيقوم بوظيفته مع راحة نفسية وأجواء هادئة ملؤها الاطمئنان والسكينة وقد وعد اللَّه تعالى الزوجة الصالحة التي تحسن المعاملة مع زوجها وتراعي الأسباب التي تدعو إلى راحته وتخفيف الهموم عنه بشي‏ء يفوق تصورها وهو أن بشّرها بالجنة.

في الحديث عن الصادق عليه السلام أنه قال:
"جاء رجل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقال: إن لي زوجة إذا دخلت تلقتني، وإذا خرجت شيّعتني وإذا

رأتني مهموماً قالت: ما يهمّك؟ إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك، وإن كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك اللَّه هماً فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: بشّرها بالجنة وقل لها: إنك عاملة من عمّال اللَّه ولك في كل يوم أجر سبعين شهيداً"7.


رابعاً: معاونته في الدين والعبادة
في الحديث عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله:
"ايما امرأة أعانت زوجها على الحج والجهاد أو طلب العلم أعطاها اللَّه من الثواب ما يعطي امرأة أيوب عليه السلام"8.


خامساً: التجمّل له، واظهار الهيئة الحسنة لها في عينه والابتعاد عما ينفّره ولا يوافق ذوقه مع معرفتها لما يرغب فيه وما يرغب عنه.

وفيما ورد:
"... لا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال وهنّ: صيانة نفسها عن كل دنس حتى يطمئن قلبه بها في حال المحبوب والمكروه، وحياطته9 ليكون ذلك عاطفاً عليها عند زلّة تكون منها، واظهار العشق له بالخلابة10. والهيئة الحسنة لها في عينه".


آداب تعامل الزوج مع الزوجة


أولاً: إطعامها بيده.

عن النبي صلى الله عليه وآله:
"إن الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلى في امرأته"12.


ثانياً: الجلوس معها.


عن النبي صلى الله عليه وآله:
"جلوس المرء عند عياله أحب إلى اللَّه تعالى من اعتكاف في مسجدي هذا"13.


ثالثاً: خدمة البيت معها.

ويكفيك شاهداً ما جرى في بيت علي وفاطمة عليهما السلام حيث روي عن علي عليه السلام قوله:

"دخل علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وفاطمة عليها السلام جالسة عند القدر وأنا أنقّي العدس، قال: يا أبا الحسن، قلت: لبّيك يا رسول اللَّه، قال: اسمع، وما أقول إلا ما أمر ربي، ما من رجل يعين امرأته في بيتها إلا كان له بكل شعرة على بدنه، عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها، وأعطاه اللَّه من الثواب ما


أعطاه اللَّه الصابرين، وداود النبي ويعقوب وعيسى عليهم السلام، يا علي من كان في خدمة عياله في البيت ولم يأنف، كتب اللَّه اسمه في ديوان الشهداء، وكتب اللَّه له بكل يوم وليلة ثواب ألف شهيد، وكتب له بكل قدم ثواب حجة وعمرة، وأعطاه اللَّه تعالى بكل عرق في جسده مدينة في الجنة. يا علي، ساعة في خدمة البيت، خير من عبادة ألف سنة، وألف حج، وألف عمرة، وخير من عتق ألف رقبة، وألف غزوة، وألف مريض عاده، وألف جمعة، وألف جنازة، وألف جائع يشبعهم، وألف عار يكسوهم، وألف فرس يوجهه في سبيل اللَّه، وخير له من ألف دينار يتصدق على المساكين، وخير له من أن يقرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، ومن ألف أسير اشتراها فأعتقها، وخير له من ألف بدنة يعطي للمساكين، ولا يخرج من الدنيا حتى يرى مكانه من الجنة. يا علي، من لم يأنف من خدمة العيال دخل الجنة بغير حساب، يا علي خدمة العيال كفارة للكبائر، ويطفى‏ء غضب الرب، ومهور حور العين، ويزيد في الحسنات والدرجات، يا علي، لا يخدم العيال إلا صديق أو شهيد أو رجل يريد اللَّه به خير الدنيا والآخرة"14.


رابعاً: الصبر على سوء خلقها.
في الحديث:
"من صبر على سوء خلق امرأته واحتسبه أعطاه اللَّه تعالى بكل يوم وليلة يصبر عليها من الثواب ما أعطى أيوب عليه السلام على بلائه وكان عليها من الوزر في كل يوم وليلة مثل رمل عالج"15.


خامساً: أن يوسع عليها في النفقة ما دام قادراً لكن لا يبلغ حد الإسراف.

يقول زين العابدين عليه السلام:
"إن أرضاكم عند اللَّه أسبغكم على عياله"16.


سادساً: التجاوز عن عثراتها.

من الممكن أن تخطى‏ء المرأة كما الرجل فلا يكون ذلك مدعاة للعنف معها وإلحاق الأذية بها بل على العكس تماماً فليكن لما هو أقرب للتقوى من العفو والرحمة وإقالة العثرة فقد تقدم في بعض الأحاديث قوله‏ عليه السلام:


"وإن جهلت غفر لها".
وإلا فإن الوقوف عند كل صغيرة لا يمكن أن تستمر معه الحياة الزوجية وتستقر به العشرة.

خصوصاً مع التوصية الواردة في حقّها حيث قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله:
"أوصاني جبرئيل عليه السلام بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة بيّنة"17.


سابعاً: استمالة قلبها
وهي تتم بأمور:


أولاً: التجمّل لها وابداء الهيئة الحسنة في عينها حيث يؤكد الإسلام على التنظيف والأناقة وتزين الزوج لزوجته بما يتناسب معها وترضاه كما أن عليها ذلك في قباله.

عن الحسن بن جهم أنه قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام اختضب فقلت: جعلت فداك اختضبت؟ فقال عليه السلام:

"نعم إن الهيئة مما يزيد في عفة النساء، ولقد ترك النساء العفّة بترك أزواجهن التهيئة ثم قال: أيسرّك أن تراها على ما تراك عليه إذا كنت على غير تهيئة؟ قلت: لا قال: فهو ذاك"18.

ثانياً: التوسعة عليها بالنفقة.


ثالثاً: المعاشرة الجميلة.

جاء عن الصادق عليه السلام قوله:

"لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها، وحسن خلقه معها،

واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها وتوسعته عليها"19.

والحديث جامع للأمور الثلاثة.

رابعاً: خطاب المودّة

حيث يقول النبي صلى الله عليه وآله:

"قول الرجل للمرأة إني أحبّك لا يذهب من قلبها أبداً"20.
وبالإمكان في ختام تعداد هذه الحقوق أن نضع ميزاناً توزن به الشخصية المؤمنة عبر أدائها للحقوق المفروضة أو التقصير بها وبالخصوص مع الالتفات إلى قول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله:

"ألا خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي"21.
وفي رواية أخرى: "ألا خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"22.

وصية أمامة التغلبيّة

"نصحت سيدة من سيدات العرب وهي(أمامة التغلبية( ابنتها )أم إياس بنت عوف)وكان ذلك قبل زفافها،

فقالت لها:

"يا بنيّة لو كانت الوصية تترك لفضل أدب، أو لتقدم حسب، لزويت ذلك عنك ولأبعدته منك، ولكنها تذكرة للعاقل ومنبهة للغافل.

يا بنيّة لو استغنت امرأة عن زوج بفضل مال أبيها لكنت أغنى الناس عن ذلك، ولكن للرجال خلقنا كما خلقوا لنا.

يا بنيّة إنك فارقت بيتك الذي منه خرجت، والعش الذي فيه درجت، إلى وكر لم تعرفيه وقرين لم تألفيه، فكوني أمة يكن لك عبداً. واحفظي مني خصالاً عشراً يكنّ لك ذكراً وذخراً.

أما الأولى والثانية: فالصحبة والقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة، فإن في القناعة راحة القلب، وفي حسن المعاشرة مرضاة الرب.

وأما الثالثة والرابعة: فالتعهد لموضع عينيه، والتفقد لموضع أنفه، فلا تقع عيناه منك على قبيح، ولا يشم أنفه منك إلا أطيب ريح.

واعلمي يا بنيّة أن الماء أطيب الطيب المفقود.

وأما الخامسة والسادسة: فالتعهد لوقت طعامه والتفقد لحين منامه، فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.

وأما السابعة والثامنة: فالاحتفاظ ببيته وماله، والرعاية لحشمه وعياله فإن حفظ المال أصل التقدير، والرعاية للحشم والعيال من حسن التدبير.

وأما التاسعة والعاشرة: فلا تفشين له سراً، ولا تعصين له أمراً، فإنك إن أفشيت سره لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره أوغرت صدره.

واتقي من ذلك الفرح كله إن كان ترحاً، والاكتئاب إن كان فرحاً. فإن الأولى من التقصير، والثانية من التكدير. وأشد ما تكونين له موافقة أطول ما يكون لك مرافقة.






المسؤوليّة الفرديّة


هل الإنسان الواحد مسؤول؟
بالتأكيد، فهو جزء من كل المجتمع الإسلامي، وعنصر ضمن تشكيلة الحياة الإسلامية.

وهذا هو المفهوم الإسلامي الصريح: { قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } [آل عمران:165]، { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [الرعد:11]، بل إن قضية الإيمان بالبعث في العقيدة الدينية الإسلامية تستقلّ بهذا المعنى بالذات، وقضية الخلق { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا } [المدثر:11]، وحيداً حينما يحسب الإنسان أن ماله وولده وحزبه وجمهوره وطائفته ستُبعث معه، بل حتى أخص قرابته تتخلى عنه، يقول الله سبحانه: { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ . لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [عبس:34-37]، وربما أن فكرة الاعتكاف في الإسلام هي نوع من إعادة المسؤولية الفردية، دون الضغوط الخارجية الطائفية أو الحزبية أو الجماهيرية على العقل المسلم الفرد لاستعادة طبيعته وصحته.

فالجمهور الهاتف المصفق يفعل الأفاعيل؛ ولهذا جاء التوجيه الرباني: { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } [سبأ:46]، فالتفكير الطبيعي الإسلامي النظيف لا يبحث عمّا يريده الناس، وإن كان يحترم آراءهم ويقدرها، فقد يخالفك الرأي، ولكنه على استعدادٍ للدفاع عن حقك في التعبير عن رأيك.

وفي الفرد المسلم تكمن معظم مشاكل الشخصية الإسلامية المعاصرة، وفي ضمن هذه العقلية الحاضرة، يصبح أي حدث قابل لصناعة مشكلة في غياب عن حسّ المسؤولية الفردية التي كرَّسها الإسلام، فالقوى الخارجية عند الفرد المسلم هي سبب كل المشاكل، والمؤامرة العالمية والصهيونية هي الأيدي الخفية والأصابع المؤثرة الوحيدة في اللعبة.

وربما كان الحكام، أو العلماء، أو القدر، أو التاريخ مسكن الأزمة -حيث يظن الفرد- ويعتقد ببراءة جانبه، ولا يخطر في باله أن يتهم نفسه، فآراؤه صحيحة، ومواقفه سليمة، يعرف كلّ شيء، ولو أن الناس أطاعوه لحل مشكلات العالم.. بينما عجز عن حل مشكلة عائلية.. و يخفق أمام معادلة رياضية، ولا يملك خبرة ولا دراسة، ولا هو قادر على اتخاذ قرار خاص بتغيير خلق ذميم، أو عادة رديئة في نفسه.

شاب حديث عهد بالتزام، يظن أن بيده المفاتيح، ويظن أن يده يد عيسى عليه السلام، التي تبرئ الأكمه والأبرص، وتحيي الموتى بإذن الله، وحتى حين يتحدث عن الكتاب والسنة يظن أنه هو الذي يفهمها، ويسهل عليه اتهام الآخرين بالجهل أو الهوى، وعدم فهم الكتاب والسنة.
فهذا الإخفاق الشخصي الفردي هو جزء من مشاكل الأزمة العامة وليس حلاً أممياً ناجحاً.

ومسؤولية الفرد تتفاوت حسب موقعه، وأهميته وخبرته وعلمه، وهي مسؤولية تاريخية تراكمية، ليست وليدة الساعة ولا بنت اليوم؛ فالمسؤولية تعني تحمل التكاليف، وأداء الأمانة، وكسب الخير، وأداء المعروف. وهي -وإن كانت معاني فردية- فهي ترجع على الأمة جميعها بالخير والفضل، وفي الصحيحين: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ، فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ »، حتى عدم أذاك للناس -إذا عجزت عن هذا كله- صدقة منك على نفسك.

وما معنى فروض الأعيان -كما يسميها الفقهاء في التراث الإسلامي- إلا المسؤولية الفردية، وكل ذلك لتنمية الشخصية الإسلامية على مستوى يؤهلها لإدراك النجاح المجتمعي العام.

ومع هذا لا تزال شرائح واسعة من المسلمين مأخوذة بالهمّ العام على حساب الخاص، وبالمشاكل العالمية على حساب المشاكل الشخصية، وبالهموم الأممية على الهموم الوطنية، وبقضايا العالمين أجمع على قضايا النفس التي تمتلئ بأدواء متراكمة، من ظلم النفس والناس، وبخس الحق، وأكل مال اليتيم، والجهل والبغي، والغفلة، وضعف الإيمان، وأدواء اللسان، والأهواء التي تضرب في فكره بكرةً وعشيةً.
فهل يجوز بعد ذلك كله أن يتحدث عن مشاكل المسلمين، وقد أصبح شيئاً من تلك المشاكل؟

إِذا رُمتَ أَن تَحيا سَليماً مِنَ الرَدى *** وَدينُكَ مَوفورٌ وَعِرضُكَ صَيِّنُ
فَلا يَنطِقَنْ مِنكَ اللِسانُ بِسَوأَةٍ *** فَكُلُّكَ سَوءاتٌ وَلِلناسِ أَلسُنُ
وَعَيناكَ إِن أَبدَت إِلَيكَ مَعائِباً *** فَدَعها وَقُلْ يا عَينُ لِلناسِ أَعيُنُ
وَعاشِرْ بِمَعروفٍ وَسامِحْ مَنِ اِعتَدى *** وَدافِعْ وَلَكِن بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ

إن حل مشكلات العالم يبدأ من النفس، ومسيرة ألف ميل في إصلاح الأمة تبدأ بخطوة إصلاح النفس أولاً:
لنفسي أبكي لستُ أبكي لغيرها *** لنفسي من نفسي عن الناس شاغلُ
إن الفرد المسلم اليوم تأخذه أحداث المسلمين وظلامتهم التي تتفجر في كل مكان عن أدواء النفوس، ومشاكل التفكير، وأساليب تطوير الفرد المسلم التي هي -بمعنى ما- جزء من حل الأزمة العامة؛ فإن الأفراد الكامنين خلف المسميات العامة والجمعيات والمؤسسات والدول هم جزء لا يُستهان به من قوة التأثير، وإن لم يذكرهم التاريخ، أو الناس أو الإعلام.

وإنّ فتوح الإسلام -مثلاً- ليست خالدة بأسماء قوّادها الذين يُعرفون بها، بل أيضاً بأولئك الأفراد المقاتلين الذين حاربوا وصبروا وربما قتلوا، وأولئك النساء الصابرات المؤمنات الداعمات.

والنجاحات الحضارية الإسلامية والمعمارية -مثلاً- ليست حكراًَ على أسماء الآمرين بها من الخلفاء والأمراء، بل هي أيضاً في أولئك المنفذين من تلك الأيدي المشمّرة، والسواعد النشيطة، والعقول المخططة، وأصحاب الثراء المعطين، وإن بقيت فيما بعدُ باسم أحد هؤلاء.

وإنّ معنى المسؤولية الفردية -في النهاية- متضمن في الحقيقة القرآنية والتفكير الإسلامي، وهو أيضاً معنى حضاري مهم للبناء الراشد، فالبنيان لبنات متفرقة، وفي الحديث الشريف المتفق عليه: « إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ».

المصدر: موقع الإسلام اليوم 

الأسرة أساس المجتمع

أقام الإسلام نظام الأسرة على أسس سليمة تتفق مع ضرورة الحياة وتتفق مع حاجات الناس وسلوكهم، واعتبر الغريزة العائلية من الغرائز الذاتية التي منحها الله للإنسان قال تعالى: (وَ مِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) سورة الروم: 20 ،فهذه الظاهرة التي فطر عليها الإنسان منذ بدء تكوينه من آيات الله ومن نعمه الكبرى على عباده.وشيء آخر جدير بالاهتمام هو أن الإسلام يسعى إلى جعل الأسرة المسلمة قدوة حسنة وطيبة تتوفر فيها عناصر القيادة الرشيدة قال تعالى حكاية عن عباده الصالحين: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) سورة الفرقان: 74 ،وأهم قاعدة من قواعد التربية أن توجد عملياتها التربوية القدوة الحسنة ، والمثل الأعلى للخير والصلاح.


بيَّن القرآن للأزواج أن كلا منهما ضروري للآخر ومتمم له، قال تعالى: (هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) الأعراف:189، ولا يتصور أن تقوم حياةٌ إنسانية على استقامة إذا هُدمت الأسرة، والذين ينادون بحلّ نظام الأسرة لا يريدون بالبشرية خيراً ، وقد كانت دعوتهم ولا زالت صوتاً نشازاً على مرّ التاريخ.تقوم الأسرة على أساس التفاهم ، وتمارس أعمالها بتشاور، ويبني حياتها على التراضي، هذا بيان قرآني بليغ يجلي هذه المبادئ السامية؛ فعند رضاع الأولاد، وفطامهم ولو بعد الانفصال يقول تعالى: (وَٱلْوٰلِدٰتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَـٰدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَاد أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ) ، إلى قوله: (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) البقرة:233.

الأسرة التي تروم السعادة، وتبحث عن الاستقرار، تبني حياتها على أسس راسخة، أبرزها رعاية واحترام الحقوق بين الزوجين، المعاشرة بالمعروف، فتح آفاق واسعة من المشاعر الفياضة ، ليتدفق نبع المحبة وتقوى الرابطة، وهنا يجد الأزواج السكن النفسي الذي نصّ عليه القرآن.
بمثل هذا الرسوخ تؤمّن الأسرة من التصدّع، وإذا نشأ خلاف فإن المحبة الصادقة والمودة ستذيبه.وعلى أي حال فإن نظام الأسرة الذي سنّه الإسلام يقوم على أساس من الوعي والعمق لما تسعد به الأسرة، ويؤدي إلى تماسكها وترابطها من الناحية الفيزيولوجية، والنفسية، والاجتماعية، بحيث ينعم كل فرد منها، ويجد في ظلالها الرأفة والحنان والدعة والاستقرار.
إن الإسلام يحرص كل الحرص على أن تقوم الرابطة الزوجية ـ التي هي النواة الأولى للأسرة ـ على المحبة، والتفاهم والانسجام .وهذا هو ما ينشده الإسلام في الرابطة الجنسية أن تكون مثالية، وتقوم على أساس وثيق من الحب والتفاهم حتى تؤدي العمليات التربوية الناجحة أثرها في تكوين المجتمع السليم.لقد شرع الإسلام جميع المناهج الحية الهادفة إلى إصلاح الأسرة ونموّها وازدهار حياتها، فعني بالبيت عناية خاصة، وشرع آداباً مشتركة بين أعضاء الأسرة، وجعل لكل واحد منها واجبات خاصة تجاه أفراد أسرته، وهي مما تدعو إلى الترابط، بالإضافة إلى أن لها دخالة إيجابية في التكوين التربوي ولابد لنا من عرض ذلك، على سبيل الإيجاز.

وجعل الإسلام مناهجاً مشتركة بين جميع أعضاء الأسرة، ودعاهم إلى تطبيقها على واقع حياتهم حتى تخيّم عليهم السعادة، ويعيشون جميعاً في نعيم وارف وهي: 
 
1ـ الحب والمودة:
دعا الإسلام إلى سيادة الحب والمودة والتآلف بين أفراد الأسرة وأن يجتنبوا عن كل ما يعكر صفو الحياة والعيش، وتقع المسؤولية بالدرجة الأولى على المرأة فإنها باستطاعتها أن تحوّل البيت إلى روضة أو جحيم، فإذا قامت بواجبها، ورعت ما عليها من الآداب كانت الفذة المؤمنة فقد أثر عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن شخصاً جاءه فقال له: إن لي زوجة إذا دخلتُ تلقّتني، وإذا خرجت شيعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت ما يهمك؟ إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك، وإن كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك الله هماً.فانبرى (صلّى الله عليه وآله) يبدي إعجابه وإكباره بها وقال: (بشّرها بالجنة، وقل لها: إنك عاملة من عمال الله). وإذا التزمت المرأة برعاية زوجها ، وأدّت حقوقه وواجباته شاعت المودة بينها وتكوّن رباط من الحب العميق بين أفراد الأسرة الأمر الذي يؤدي إلى التكوين السليم للتربية الناجحة.

2ـ التعاون:
وحث الإسلام على التعاون فيما بينهما على شؤون الحياة، وتدبير أمور البيت وأن يعيشوا جميعاً في جو متبادل من الود والتعاون، والمسؤولية تقع في ذلك على زعيم الأسرة وهو الزوج، فقد طلب الإسلام منه أن يقوم برعاية زوجته ويشترك معها في شؤون منزله، فقد كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يتولى خدمة البيت مع نسائه، وقال: (خدمتك زوجتك صدقة) وكان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يشارك الصدّيقة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) في تدبير شؤون المنزل ويتعاون معها في إدارته، ومن الطبيعي أن ذلك يخلق في نفوس الأبناء روحاً من العواطف النبيلة التي هي من أهم العناصر الذاتية في التربية السليمة.
 
3ـ الاحترام المتبادل:
وحث الإسلام على تبادل الاحترام، ومراعاة الآداب بين أعضاء الأسرة فعلى الكبير أن يعطف على الصغير، وعلى الصغير أن يقوم بإجلال الكبير وتوقيره، فقد أثر عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنه قال في جملة وصاياه العامة: (فليعطف كبيركم على صغيركم، وليوقر صغيركم كبيركم..) إن مراعاة هذه الآداب تخلق في داخل البيت جواً من الفضيلة والقيم الكريمة، وهي توجب تنمية السلوك الكامل في نفس الطفل، وتبعثه إلى الانطلاق في ميادين التعاون مع أسرته ومجتمعه، وقد ثبت في علم التحليل النفسي بأن قيم الأولاد الدينية والخلقية إنما تنمو في محيط العائلة.
 
من المعلوم ان للزواج وظائف عامة ، و مصالح اجتماعية :

1.المحافظة على النوع الانساني فبالزواج يستمر بقاء النسل الانساني ، و يتكاثر و يتسلسل إلى ان يرث الله الارض ومن عليها ، و لا يخفي ما في هذا التكاثر و التسلسل من محافظة على النوع الانساني ، و من حافز لدى المختصين لوضع المنهاج التربوية ، و القواعد الصحيحة لأجل سلامة هذا النوع من الناحية الخلقية ، و الناحية الجسمية على السواء. قال تعالى : (و الله جعل لكم من أنفسكم أزواجا و جعل لكم من أزواجكم بنين و حفدة )

2.المحافظة على الانساب و بالزواج الذي شرعه الله يفتخر الابناء بانتسابهم إلى آبائهم.و لا يخفى ما في هذا الانتساب من اعتبارهم الذاتي و استقرارهم النفسي و كرامتهم الانسانية. ولو لم يكن ذلك الزواج الذي شرعه الله ، لعّج المجتمع بأولاد لا كرامة لهم و لا أنساب ؛ وفي ذلك طعنة نجلاء للأخلاق الفاضلة ، وانتشار مريع للفساد و الاباحة .

 
المصدر :



 

تزكية النفس إلى مقام الإحسان

إن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الإنسان مؤلفاً من ثلاثة عناصر، هي: العقل والبدن والروح.
وأشرف هذه العناصر الثلاثة الروح التي هي نفخة غيبية من عند الله "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً".وقد رتب الله على هذه العناصر الثلاثة عناصر الدين فجعل الإسلام لمصلحة البدن، والإيمان لمصلحة العقل، والإحسان لمصلحة الروح، وجعل التكامل بين هذه العناصر والتوازن بينها مطلوباً، فلا يكون الإنسان سوياً مستقيماً إلا بالاعتدال والتوازن بين هذه العناصر، فلا بد من العناية بها جميعاً والسير بها في خط متواز، حتى لا يحصل ميل أو اعوجاج في هذه النفس البشرية، فإن من مال إلى أحد هذه العناصر دون غيره وأولاه عناية على حساب الجوانب الأخرى كان إنساناً معوجاً غير مستقيم.
وأهم هذه الجوانب وأشدها خطراً هو عنصر الإحسان الذي لا يكمل إيمان المسلم إلا به، وعنصر الإحسان إنما يتعلق بتزكية النفوس.

تعريف التزكية وبيان المراد بها :
التزكية في اللغة مصدر زكى الشيء يزكيه، ولها معنيان :
المعنى الأول: التطهير، يقال زكيت هذا الثوب أي طهرته، ومنه الزكاء أي الطهارة.
والمعنى الثاني: هو الزيادة، يقال زكى المال يزكوا إذا نمى ومنه الزكاة لأنها تزكية للمال وزيادة له.
وعلى أساس المعنى اللغوي جاء المعنى الاصطلاحي لتزكية النفوس، فتزكية النفس شاملة لأمرين :
أ – تطهيرها من الأدران والأوساخ، قال في الظلال : التزكي التطهر من كل رجس ودنس.
ب – تنميتها بزيادتها بالأوصاف الحميدة.

وعلى هذا المعنى جاءت الآيات القرآنية بالأمر بتزكية النفس وتهذيبها، قال الله تعالى : "قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى" وقال سبحانه "...ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" يقول ابن كثير رحمه الله في هذه الآيات : يحتمل أن يكون المعنى : قد أفلح من زكى نفسه أي بطاعة الله كما قال قتادة، وطهرها من الرذائل والأخلاق الدنيئة، كقوله تعالى: "قد أفلح من تزكى" ،"وقد خاب من دساها" أي دسسها وأخملها ووضع منها بخذلانه إيّاها عن الهدى، حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله عز وجل، ويحتمل أن يكون المعنى : قد أفلح من زكى الله نفسه وقد خاب من دسى الله نفسه هذا عن تعريف التزكية، أما النفس فقد ورد في القرآن الكريم وصفها بثلاث صفات : المطمئنة ، و اللوامة، والأمارة بالسوء، وقد اختلف الناس هل النفس واحدة وهذه أوصاف لها، أو للعبد ثلاثة أنفس : نفس مطمئنة، ونفس لوامة، ونفس أمارة.
فالأول قول الفقهاء والمتكلمين وجمهور المفسرين، وهو قول محققي الصوفية، والثاني قول كثير من أهل التصوف، والتحقيق أنها واحدة باعتبار ذاتها، وثلاث باعتبار صفاتها، فالنفس المطمئنة : هي التي قد سكنت إلى ربها وطاعته وأمره، فاطمأنت إلى محبته وعبوديته وذكره، واطمأنت إلى لقائه ووعده، واطمأنت إلى قضائه وقدره، واطمأنت إلى ضمانه وكفايته وحسبه، وأنه لا غنى لها عنه طرفة عين.وأما اللوامة: (فهي النفس اللؤوم التي تُنَدِّم على ما فات وتلوم عليه) كما قال ابن عباس وقتادة.وأما الأمارة: فهي التي تأمر صاحبها بما تهواه من شهوات الغي واتباع الباطل؛ فإن أطاعها قادته إلى كل شر وقبيح، ولم تكن أمارة إلا بموجب الجهل والظلم لأنها خلقت في الأصل جاهلة ظالمة والعدل والعلم طارئ عليها بِإِلْهَامِ فاطرها. فلولا فضل الله ورحمته على المؤمنين ما زكت منهم نفس واحدة، فإذا أراد الله بنفس خيراً جعل فيها ما تزكو به وتصلح من الإرادات والتصورات وإذا لم يرد بها ذلك تركها على حالتها التي خلقت عليها من الجهل والظلم.

حكم تزكية النفس:
ذهب الغزالي رحمه الله إلى أنها فرض عين على كل مؤمن ولو لم يكن متحلياً بالأخلاق الذميمة، فيلزم كل أحد أن يتعلم أمراض القلب وكيفية تطهيرها. وذهب الجمهور إلى أنه ليس فرض عين إلا في حق من تحقق أو ظن وجود مرض من الأمراض فيه، فيلزمه حينئذ تعلم سبل علاج ذلك المرض، وقالوا إن تعلم أمراض القلوب فرض كفاية على الأمة عامة وليس فرض عين على كل أحد، وقد استند الغزالي في رأيه هذا إلى أن الأصل عنده في الإنسان هو وجود هذه الأمراض وليس السلامة منها، واستدل على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أفضل البشر قد شق الله صدره مرتين وأخرج منه المضغة السوداء التي هي محل هذه الأمراض في الإنسان، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم احتاج إلى ذلك فغيره من باب أولى، واستدل الجمهور بأن الأصل في الإنسان السلامة من هذه الأمراض لقول الله تعالى: "فطرة الله التي فطر الناس عليها" وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة). وأدلة الجمهور أوجه وأقوى كما ترى.ولكن قد جمع الشيخ محمد الحسن – حفظه الله – بين هذه الأدلة بأن حمل دليل الغزالي على أن الذي في عامة بني آدم هو القابلية لهذه الأمراض لا وجودها، وبالتالي يكون الشق بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم ليس علاجاً لمرض موجود وإنما هو منع للقابلية، فهو العصمة التي لا يمكن أن يحل بعدها شيء من هذه الأمراض.

أهمية تزكية النفس للإنسان:
والتزكية مهمة للإنسان من عدة أوجه :
1 – أن الله عز وجل – وهو الحق وقوله الصدق – أقسم في كتابه أحد عشر قسماً على فلاح من زكى نفسه وعلى خسران من أهمل ذلك، قال تعالى: "والشمس وضحاها .. ".

2 – أن النفس من أشد أعداء الإنسان الداخليين لأنها تدعو إلى الطغيان وإيثار الحياة الدنيا، وسائر أمراض القلب إنما تنشأ من جانبها، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من شرها كثيراً، كما في خطبة الحاجة وكما في حديث أبي هريرة عند ابن أبي حاتم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ "فألهمها فجورها وتقواها" فقال: "اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها" وفي المسند والترمذي أنه صلى الله عليه وسلم علم حصين بن عبيد أن يقول "اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي".

3 – أن التزكية طريق الجنة، قال الله تعالى: "وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى" فهي إذن شرط لدخول الجنة".
4 – أن الإنسان محب للكمال فينبغي له أن يعمل على إكمال نفسه بتزكيتها وتربيتها، فهذه النفس تصاب بالأعراض التي تصاب بها الأبدان، فهي محتاجة إلى تغذية دائمة ومحتاجة إلى رعاية، ومحتاجة كذلك إلى متابعة للازدياد من الخير كما يزداد البدن من الطاقات والمعارف، فلذلك احتاج الإنسان إلى أن يراقب تطورات نفسه، ويعلم أنها وعاء إيمانه، وأهم ما عنده هو هذا الإيمان، فإذا سلبه فلا فائدة في حياته، فلا بد من العمل على تنمية هذا الإيمان وزيادته عن طريق تزكية هذه النفس وتهذيبها.

أقسام تزكية النفس:
تنقسم تزكية النفس إلى قسمين رئيسين هما: التحلية، والتخلية.
فالتخلية: يقصد بها تطهير النفس من أمراضها وأخلاقها الرذيلة.وأما التحلية: فهي ملؤها بالأخلاق الفاضلة وإحلالها محل الأخلاق الرذيلة بعد أن خليت منها. فالأخلاق الرذيلة مثل : الشرك والرياء، والعجب، والكبر، والبغض والحسد، والشح والبخل، والغضب، والحرص على الدنيا وحبها لذاتها وإيثارها على الآخرة، والفضولية وعدم الجد في الحياة.وأما الأخلاق الفاضلة فكالتوحيد والإخلاص والصبر، والتوكل والإنابة، والتوبة، والشكر، والخوف والرجاء، وحسن الخلق في التعامل مع الناس، والشفقة عليهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ونفعهم بقدر المستطاع، وعدم تغيير قلوبهم بما ليس بلازم شرعاً.
 

المصدر :

http://www.saaid.net/bahoth/81.htm